سعة الجاه

وأما سعة الجاه من غير حرص منك على طلبه ومن غير اغتمام بزواله إن زال فلا ضرر فيه، فلا جاه أوسع من جاه رسول الله ﭬ وجاه الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من علماء الدين، ولكن انصراف الهم إلى طلب الجاه نقصان في الدين ولا يوصف بالتحريم، فعلى هذا نقول: تحسين الثوب الذي يلبسه الإنسان عند الخروج إلى الناس مراءاة وهو ليس بحرام لأنه ليس رياء بالعبادة بل بالدنيا، وقس على هذا كل تجمل للناس وتزين لهم. والدليل عليه ما روي عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﭬ أراد أن يخرج يوماً إلى الصحابة فكان ينظر في جب الماء ويسوي عمامته وشعره فقالت: أو تفعل ذلك يا رسول الله؟ قال "نعم إن الله تعالى يحب من العبد أن يتزين لإخوانه إذا خرج إليهم" نعم هذا كان من رسول الله ﭬ عبادة لأنه كان مأموراً بدعوة الخلق وترغيبهم في الاتباع واستمالة قلوبهم، ولو سقط من أعينهم لو يرغبوا في اتباعه، فكان يجب عليه أن يظهر لهم محاسن أحواله لئلا تزدريه أعينهم، فإن أعين عوام الخلق تمتد إلى الظواهر دون السرائر، فكان ذلك قصد رسول الله ﭬ ولكن لو قصد قاصد به أن يحسن نفسه في أعينهم حذراً من ذمهم ولومهم واسترواحاً إلى توقيرهم واحترامهم كان قد قصد أمراً مباحاً، إذ للإنسان أن يحترز من ألم المذمة ويطلب راحة الأنس بالإخوان. ومهما استثقلوه واستقذروه لم يأنس بهم.